آخر الإضافات
الموسوعة اليافعية

وادي رَخَمة(1)

(رَخَمة) -بفتح الراء والخاء- وادٍ سهلي فسيح خصب يمكن أن نسميه (قاعًا). يقع شمال غرب جبل (مَوْفَجة)، ويبدأ انحداره من شرق جبل (الصحراء) وشمال شرقه، ويتجه مساره شرقًا بين جبال شامخة، فمن الجهة الشمالية تطل عليه -بالترتيب من أعلاه- جبال أسفل (مَذْبَلة) وجبل (مُحَرَّم) وجبل بن قُمَاطة وجبل (الشَّهَث). ومن الجهة الجنوبية تطل عليه (رَهْوة الأباقير) وجبل (تي الحِسِي) وجبل الأصابح و(غَريب الشَّهْد) وشِعاب (عامر) وجبل (قُسْبي)، ومن الغرب يطل عليه جبل الصحراء وجبال وادي (سَرَف) وللوادي عدة روافد هي أودية: (سَلْحة) و(مَقْبَل) و(ظِبْئة) و(مَذْبَلة) و(دُقَار) و(سَرَف) وتربة وادي (رَخَمة) خصبة، وتتنوع فيه المزروعات من الحُبوب -أساسًا- ثم شجرة (القات)، وزراعة (البن) في الوادي ضئيلة. وتنتشر في الوادي أشجار العلب (السِّدْر) وقد كان الوادي غنيًا بالمياه الجوفية والسطحية إلا أن توالي مواسم الجفاف، والاستنزاف المستمر للمخزون المائي دون ترشيد ورقابة أثَّر كثيرًا فقلَّ منسوب مياه الآبار بل جفَّت بعض الآبار تمامًا.

وادي (رَخَمة) تاريخيًا:

تدل الخرائب والمقابر التي في الوادي وحوله على قِدم سكناه، وعلى الطبيعة الحضرية لسكانه الأوائل، فالزراعة وكثرة الأملاك ووفرة الماء وحصانة الشِّعاب أهم عوامل الاستقرار في بلاد (يافع)، إلا أن عوامل أخرى أثَّرت في بقاء هؤلاء السكان أهمها انعدام الأمن بسبب الحروب القبلية المستمرة والذي نعلمه من خلال بعض الوثائق القديمة والمرويات المتناقلة والتسميات الباقية لبعض الأماكن أن وادي (رَخَمة) سكنته في العصور السابقة عدة قبائل وبيوت منها:

الأحمدي: وحدودهم كانت تنتهي عند أطراف الوادي العليا، مثل أعلى (سَرَف) وأسفل (مَذْبَلة) وأسفل (مَقْبَل)، وقد أشرت إليهم في بداية الفصل الأول من هذا الجزء، ولم يبقَ منهم في هذا الوادي  إلا بيت (بن حراشي) في أسفل (مَذْبَلة).

الأصبحي: وهم لا يزالون في الوادي إلى الآن، وقراهم في جبل الأصابح المطل على وسط وادي (رَخَمة) كما سيأتي.

الشَّهْدي: وقد كانوا يسكنون في جبل (غَريب الشَّهْد)، وفي سفحه الشرقي (المعروف الآن بقرية الشَّهْد)، وقد انقطع عقبهم قديمًا.

أهل الذَّيْب: وقد كان سكناهم في أعلى (دَوْرَمة) في السفح الشمالي الغربي لجبل (قُسْبي)، وما زال ساكنهم يحمل اسمهم كما سيأتي، وقد انقطع عقب أكثرهم ولم يبق منهم إلا أفراد قلائل هجروا موضعهم إلى قرية مجاورة ومن متقدميهم (محمد الفقيه الذيبي) الذي كان حيًا سنة (1131هـ) حسب وروده في إحدى الوثائق.

الحَنَّاني: وسكناهم -فيما يروى- في قرية (دُخَّان) في الجانب الشمالي لجبل (قُسْبي)، وفي قمة (بن حسن) من جبل (الشَّهَث). وقد انقطع عقبهم قبل قرون. وتقول المرويات التي تناقلتها الأجيال إن حربًا ضروسًا نشبت بين أهل حنَّان وأهل الذَّيْب أفنتهم، وشرَّدت من بقي منهم. وقد وجدت في بعض وثائق أهل علي التي تعود إلى القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين أسماء تنتهي بـ(باحنَّان العلوي)، وقد سبق الكلام عنها في الفصل الأول من هذا الجزء فليراجع.

الرُّوْبي: يروى أنهم كانوا يسكنون جبلي (المحافد) في أسفل (رَخَمة) وفي قمة (بن حسن). وقد انقطع عقبهم أيضًا، وقد اطلعت في إحدى وثائق أهل الوحدي السنيدي مؤرخة سنة (1164هـ) على اسم (حَرْبي بن صلاح الرُّوْبي) مما يدل على وجود هؤلاء في القرن الثاني عشر الهجري، وأن اندثارهم بعد التاريخ المذكور.

أهل يحيى: وهم قضاة الدولة الرسولية في القرن السابع وما بعده، ومشايخ ناحية (ذي سُفال) جنوب مدينة (إب). ولهم وجود في (حَراز) و(وِصاب)، ينسبهم بعض الباحثين المعاصرين إلى (رَخَمة) ، بينما نسبهم العلَّامة المؤرخ (محمد بن علي الأكوع) نسبة عامة إلى (القارة) من يافع بني قاسد، وتبقى المسألة للبحث إذ لم يبق منهم أحد في (يافع)، ولعلهم بطن من قبيلة مندثرة والله أعلم!. وقد أشار إليهم الشيخ (عبدالله بن أسعد اليافعي) في كتابه (مرآة الجنان) عند ترجمته للشيخ (عبدالله بن يحيى بن أبي الهيثم الصنعي)، حيث قال: «وكان يقوم بكفايته وما يحتاج إليه رجل من مشايخ بني يحيى وهم بطن من يافع. قلت: ويافع يقولون: هم أهل يحيى وأهل موسى وأهل عيسى ثلاثة بطون بينهم بعض قرابة وفيهم عز وشرف نفوس. فأهل موسى أخوالي، والغالب عليهم الكرم والمشيخة وشرف النفوس، وأهل يحيى أخوال بني عمي والغالب عليهم العز والنجدة، ولا تزال الحرب بينهم وبين أعدائهم. ومن أهل يحيى المذكورين الولي الكبير الفقيه الشهير أبو بكر التعزي الذي كان السلطان الملك المؤيد في طوعه، وذكر ابن سمرة أنه تفقه بهذا الفقيه عبدالله بن يحيى المذكور وخلق كثير».

 وقد اشتهر من متأخريهم الشيخ (منصور بن نصر بن عبدالله اليَحْيَوي) (ت 1343هـ) صاحب الأبيات الذائعة في الفخر التي قال فيها:

إن كنت تسألُ عن قومي وعن حسبي       كتْبُ التواريخِ والأنسابِ تكفينا

فنحن من يافع حُزْنا الأُلى حسَــبًا      من منتقى يافع قحطانُ داعينـا

من أيفعت في سماء المجـدِ معــلنةً             للعـزِّ ندعــو وللعليا تنادينا.

وتراجم أعلامهم مثبتة في كتب تراجم اليمنيين مثل (السلوك) للبهاء الجندي، و(طبقات صلحاء اليمن) للبريهي أما معظم القبائل الموجودة الآن في (رَخَمة) فهم وافدون من الجبال المجاورة -في الغالب- وإن كانت أملاكهم في الوادي قديمة، وقد وجدت وثائق كثيرة تفيد امتلاك قبائل كَلَدية كأهل سنيد، وأهل الجَلَّادي، والجَرَادمة، أراضي في وادي (رَخَمة) وفي جبل (محرَّم) الذي يعد من مكتب (يَهَر).