سَرَف: -بفتحتين-
وادٍ زراعي صغير، يبدأ انحداره من أسفل (ذراع القائمة)([1]) -تنطق القَيْئِمة بإمالة الألف ياء- في خميس العُمَري، بمكتب يَهَر، وينحدر الوادي إلى الجهة الجنوبية الشرقية حتى يلتقي بوادي (رَخَمة) في أعلاه.
تغطي الوادي التربة الخصبة التي استغلها الأجداد القدامى، وحوَّلوها إلى جِرَب (قطع زراعية)، تنتج الحبوب من الذرة بأنواعها والدخن في موسم الزراعة.
وقد كان الوادي أرضًا حدودية بين مكتبي كَلَد ويَهَر، ويوجد في منتصف الوادي تل صغير متصل بقمة (الفُقْر) وشِعاب (الحُصَين)([2]) يسار الصاعد في الوادي، تسمى (دار عُمر)، ويقابلها من الجهة الشرقية (الجهة اليمنى للصاعد) تل يسمى (الخِرْبِزة)، يفصل بين وادي (سَرَف) غربًا ووادي (مَذْبَلة) شرقًا، والتلَّان المذكوران كانا –فيما أعلم– الحد القبلي بين مكتبي كَلَد ويَهَر.
وأما (دار عُمَر) التي سمي بها التل الغربي، فهي حصن قديم ولعله بني في القرن الثالث عشر الهجري. وقد كان هذا الحصن لبعض (أهل سنيد) من كَلَد الذين انتقلوا من ساكن (دار الحَبيل) في جبل (مَوْفَجة) إلى هذا الموضع، وآخرهم هو (عُمَر بن سعيد السنيدي)، وقد خرب الدار بعد ما هجره ساكنوه في نزاع قبلي([3]) في منتصف القرن الرابع عشر الهجري.
[1]) القائمة : قرية تقع شرق خميس العمري، وشمال غرب أعلى وادي (رَخَمة)، وهي من مكتب يَهَر، وسيأتي ذكرها في الجزء الخاص بمكتب يَهَر.
[2]) (الفُقر) و(شِعاب الحُصَيْن) سلسلة جبلية ممتدة من شمال (رَهْوة السوق) على امتداد الجانب الغربي لوادي (سَرَف).
[3]) وملخص هذا الحادث حسب إفادة الوالد: رشاد بن ناجي البوبكري، والوالد: صالح عبدالصُّرِّي المنصري: أنَّ نزاعًا نشب بين (أهل عبدالهادي النسري الجَلَّادي) أصحاب قرية الشهد، وبعض أهل خميس العمري، بمكتب يَهَر، وفي إحدى الليالي قام أهل عبدالهادي بمسراح –غارة- على أطيان أهل (القائمة) في أعلى وادي (سَرَف)، وخربوا المزروعات، ثم قفلوا راجعين، وعندما مروا قُبالة دار (عمر السنيدي) أطلق مجهول رصاصة في ظلام الليل على موكب (المسراح)، فأصابت رجلًا من (أهل سالم) كان نازلًا عند أقاربه من أهل عبدالهادي أخذوه معهم تلك الليلة، وقد وجهت التهمة إلى (عمر السنيدي) وإلى (أهل عُمر) أصحاب (القائمة).
واستمرت النزاعات حول هذا القتيل، وقد تدخلت فيها سلطنة القارة، وقبائل بني قاسد الأخرى، وقيلت فيها الزوامل، كقول الشيخ صالح طالب بن معبدالدهشلي العُمَري اليهري، مكنيًا عن اتهام (عمر السنيدي) بالقتل:
الليلة المركب مُــرَسِّي بالبحر قُـدَّام الجزيرة
ذي مـا معه قوة وساعد ما تنفعه مكـره وحِيْله
(يقصد بالمركب: دار عمر الذي يطل على الجِربة التي حدث القتل فيها). وكان هذا الزامل جوابًا على قول الشاعر صالح حسن الجَلَّادي الكَلَدي مخاطبًا أهل العمري :
السيل جانا من قُداكم ياذي عمدتوا في امَّسيلة
واخاف ما تخرب بلدكم لا قا رَعَد فوق امَّخيلة
[أي: والسيل (ومقصوده الرصاصة) جاءنا من جهتكم يا من سكنتم المسيلة (مسيلة سَرَف)، ومقصوده توجيه التهمة لأهل القائمة من خميس العمري. والمَخيلة: السحابة].
ومما قاله صالح طالب بن معبد في هذه الواقعة محذرًا أهل بن عبدالهادي الجَلَّادي من اتهام أهل (القائمة) بالقتل الذي لم يفعلوه:
اشتد يا الحَيْد المقابل لاهل التقارير الجليلة
لا يزقرونك زَقْر باطل من غير ما فَشَّه ذخيرة
ومن الأحكام الطريفة التي طرحت حلًا للنزاع قول بعض أهل يَهَر يسمى (حسين ثابت اليهري): إن الحكم (ليلة وسيلة وجِلَيْلة) أي : تقسَّم دية القتيل ثلاثًا: فأصحاب ليلة المِسراح وهم (أهل بن عبدالهادي) يتحملون ثلثها، ومُلَّاك موضع القتل من السيلة (الوادي)، وهم أهل بن عبدالملك البوبكري الباقري يتحملون ثلثًا، والذي أطلق الرصاصة (الجِلَيلة) – بكسر الجيم وفتح اللام- يتحمل الثلث الأخير، فطعن (ناجي بن جبران قاسم بن عبدالملك البوبكري) في هذا الحكم قائلًا : "إذا اتفقت كَلَد على أن السيلة تقتل فأنا أتحمل القتيل كاملًا، وإذا عُرف صاحب الجليلة (الرصاصة) فلماذا نتقاسم الدية ؟!".
وأدَّت الحادثة إلى توريع (إهمال) أراضي وادي (سَرَف) قرابة أربعين عامًا، لا يجرؤ أحد على حراثتها، حتى جاءت الثورة وتبدلت الأوضاع، وقد عاد أهل عمر بن سعيد السنيدي إلى جبل (مَوْفَجة) أيام الفتنة، وتخربت الدار فيما بعد، ولم تبق منها الآن إلا أطلال. [والمسراح: غارة حربية تقوم بها القبيلة على خصومها من القبائل الأخرى، يحدث فيها تبادل إطلاق النار، وتخريب المزروعات والبيوت ونحوها، وعادة ما تكون أخذًا بالثأر، ولا تنتهي إلا بالقيام بالمهمة أو تدخل السادة أو الفقهاء لفض النزاع].