1- مدرسة تريم:
تزعَّم هذه المدرسة الأمير عبدالله بن عوض غرامة البُعسي اليافعي (ت 1255هـ)، الذي تأثر بالدعوة والوهابية وقد ناصرها وناصر حملتها الشهيرة، ومن أشهر رواد هذا المدرسة من الحضارم:
- السيد أبو بكر بن عبدالله الهندوان: وقد اتهمه العلويون أنه يحرض عبدالله غرامة ويدفع به(1).
- السيد علوي بن سقّاف الجفري.
- الشيخ علي بن أحمد باصبرين.
- السيد عبدالله بن حسن بلفقيه، وغيرهم(2).
وقد كان وصول الوهابية إلى تريم سنة 1224هـ فعاهدوا الأمير عبدالله بن عوض غرامة والمقدم عبدالله بن أحمد بن يماني - مقدم آل تميم وطائلة بني ظنة كافة - على أن يكف الأذى عن بلاديهما (تريم وقسم) شرط أن يقوما بنشر ما يريد من الدعوة إلى التوحيد التي لاقت هوى من نفوسهم وقبولًا من خواطرهم(3).
وكان ابن غرامة ينكر على الصوفية بعض البدع فوافقته آراء الوهابية، وأكثر التعلق بوحيد عصره وفريد دهره الذي انتهت إليه رئاسة العلم بتريم العلامة السيد أبي بكر بن عبدالله الهندوان (ت 1248هـ) بتريم وجعله قاضيًا للبلد، فاتهم العلويون الهندوان بأنه هو الذي يعلم عبدالله بن عوض غرامة آراء الوهابية ويحثه على الإلزام بها ومؤاخذة الناس بمقتضاها، فتآمروا على قتله مرات(4).
وكان الأمير عبدالله بن عوض يذهب إلى حلقة العلامة عبدالله بن علي بن شهاب في زاوية مسجد (الشيخ علي) وعند ذهابه يأخذ معه بعض كتب الوهابية ويعطيها السيد عبدالله ويقول له: «اقرأ لنا في هذا الكتاب، فيضعه السيد علي على فخذه ويسكت حتى يضجر غرامة ويأخذ كتابه وينصرف ولا يزيد على قوله: ما تحب أن تقرأ لنا يا شريف عبدالله في هذا الكتاب»(5).
وكذلك له موقف آخر مع العلامة عبدالله بن حسين بلفقيه بعدما قال له بعض أصحابه: «لو ذهبت إلى عبدالله بن حسين بلفقيه لوافقك أو صارحك بالمخالفة، ولكنك ما تقدر إلا على ابن شهاب وما عنده إلا الملاينة، ومتى أقرك عبدالله بن حسين بلفقيه ووافقك على هذا الكتاب وافقتك حضرموت كلها»(6) فانطلق بكتابه إلى مسجد السقاف حيث يدرس العلامة بلفقيه وأعطاه الكتاب وقال له: «اقرأ لنا فيه، فقال له: أيّ كتاب هذا؟ قال غرامة: كتاب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فرماه بقوة وقال: نحن وهابية! من جدنا محمد بن عبدالله لا نرى فاعلًا ولا خالقًا ولا رازقًا ولا ضارًا ولا نافعًا إلا الله سبحانه وتعالى. فنهض غرامة منكسر الخاطر يلتقط الكتاب ومضى وهو يقول: بلفقيه فيه هوى، بلفقيه فيه هوى ما يحب أن يقرأ لنا في هذا الكتاب، ولما خرج من المسجد وجد أولئك النفر يضحكون، فزجرهم وندم على فعله، وعرف أنه من كيدهم له وتوقف بعدها من الدوران في المدارس بذلك الكتاب»(7).
ويستخلص ابن عبيد الله من هذه الحادثة فوائد مهمة منها: تواضع غرامة لعلماء تريم، وإذا كانت هذه معاملته لعبدالله بن حسين بلفقيه، وهو من المكرمين لدى خصمه ابن عبدالقادر فما بالك بغيره. وكذلك دعايته للنحلة الوهابية فمنها أن أحمد بن محمد بن علي الحبشي رتـّب قراءة في (صحيح البخاري) في مسجد الشيخ حسين وسار على جميع السادة ليحضروا فحضروا وقال: «وددت لو أن القراءة كانت في مسجد باعلوي، لكن أخشى أن يشوش علينا عبدالله غرامة بما يورده عليهم من الأسئلة أو يأتيهم به من مثل ذلك الكتاب»(8).
وفي رسالة من الإمام الحسن بن صالح البحر الجفري إلى ابن غرامة ما لفظه «وقد بلغنا أنك تدعو إلى التوحيد، وأنك على سبيل الرب المجيد»(9).
ومن رسالته الآتية نعرف قوة دعوته تلك إلى مذهب الشيخ ابن عبدالوهاب، فقد كتب غرامة للسيد جعفر بن عبدالله بن أحمد السقاف(10) وكان يوافق غرامة إلى ما يدعو إليه هذا نص بعض ما جاء فيها: «من عبدالله بن عوض غرامة ليد الأخ في دين الله الشريف جعفر بن عبدالله بن أحمد السقاف حفظه الله، وأخصه بالسلام ورحمة الله وبركاته، صدرت من تريم، ولا علم الأخير، وقد صدر منا كتاب لكم يعلم الله وصلكم أم لا، وأنتم يصلون ناس من صنعاء ولم يصل لنا كتاب منكم مذاكرة في الله، والكتب التي صدرتها وذكرت نروِّيها علماء حضرموت وغيرهم، فنحن كتبنا لهم كتابًا منا وقلنا لهم قصدنا تجتمعون حيث الشريف جعفر، أرسل إلينا كتابًا وفيه مذاكرة في الله على طريقة كتاب الله وسنة رسوله، والذين يجالسون نحن يقرؤون فيه، ولما بلغ علماء السوء أن فيه توحيد الله وترك الأنداد شق عليهم وأوعدونا أنهم با يجتمعون، ولا اجتمعوا، وبعد بتَّلناه إلى عند القاضي الشريف حسين مديحج(11) يرويّهم إياه، وقوله أنه رواهّـم إياه، ونحن لنا ثلاثين سنة(12) ندعيهم لعبادة الله وحده، وترك الأنداد ويجوبون علينا ويقولون: إننا با نعاهدك على الصلاة والزكاة والحج والصوم وترك المحرمات، وأنت وحّد وحدك ونحن بغينا طريقة آل باعلوي، فجوبنا عليهم ما ذكرتموه لا يصح إلا بالتوحيد والفرائض حق كمثل الصلاة، وما يسمىّ صلاة إلا بالطهارة والشرك يفسد العبادة، مثل النجس يفسد الطهارة، وآل باعلوي السابقين نقول فيهم (تلك أُمَّةٌ قد خَلَت)، وذكرت في كتابك رووهم أن ما حد روّاهم، ونحن قد روّيناهم جملة كتب توحيد وترك بيت العنكبوت، أهل علوى وأهل حدرى(13)، وحضرنا في مجامعهم، وذاكرناهم في لله وترك غيره، أشراف وقبائل وأهل البلد وهم شاق عليهم ذكر أحسن الخالقين وحده، والأشراف ليس بغضًا أو سبة عليهم، لحيث أننا أبغضناهم في الله الحيث هم المستكبرين، ومستضعفيننا بعينهم، إن هو على هدى أو ظلال، بغوا العابدين معبودين، ومصرّين على كلمة الكفر، وشاق عليهم كلمة الله هي العليا، فهم من الأئمة التي ذكرها الله في القرآن كانوا أئمة يدعون إلى النار، وهؤلاء يدعون إلى الشرك، وكل مخالفة منهم، وقول الله إن الشياطين يوحون إلى أوليائهم، فهم اللي يوحون، يكتبون إلى الشام والهند واليمن والجاوة يكتبون ويسيرون برجولهم، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، وكل مخالفة في الدين هي من الأشراف والمستضعفين يتبعونهم... ثم قال في آخر كتابه: أأرباب متفرقون خير من الله الواحد القهار كلّ يدعي شيخه، ويحلف باسمه وفرقوا حضرموت إلى حوط، والكفار مقرّين أن الله يجير ولا يجار، وذولا ملقين مجورة لغير الله، والشيخ المقبور هو الذي ينفع ويضر ويجبر، وسلم لنا على كل من وحدّ الله ونفى غيره، بتاريخ 1 جماد آخر سنة 1251هـ»(14). ومع هذا فقد كان شديد الاحترام للعلويين وشديد المحافظة على الصلوات والجماعات ولا يترك الصلاة خلفهم ومن شدة محافظته للصلاة يخرج حتى في الليالي الباردة(15).
2- مدرسة خشامر:
كانت خشامر القاعدة التي احتضنت الدعوة السلفية وناصرتها، وكانت بلدة خشامر ملاذًا آمنًا لطلبة العلم وحملة التغيير، وكان من أشهر روادها: الشيخ عبدالحميد بن قاسم، وابنه يحيى بن عبدالحميد، والشيخ عوض عمر الرباكي، والشيخ سعيد لحمدي، والسيد أحمد بن جعفر بن زين الحبشي وغيرهم(16).
ففي عام 1205هـ اتصل الشيخ عبدالحميد بن قاسم بن علي جابر اليافعي بالإمام عبدالعزيز بن محمد آل سعود في الدرعية وأئمة الدعوة الوهابية، وعقد معهم حلفًا يقوم بموجبه الشيخ عبدالحميد المذكور بنشر الدعوة في حضرموت، وزوده الإمام بمجموعة من الكتب، وبايعهم على نشر هذه الدعوة، والذود عنها بكل قوة، وما إن عاد إلى بلده خشامر حتى باشر الدعوة والإصلاح والتجديد مباشرة فعلية، وقد انتشرت هذه الدعوة داخل خشامر حتى عرفوا بها.
**
(1) السقاف: عبدالرحمن بن عبيدالله، تحقيق الفرق بين العامل بعلمه وغيره، تحقيق علوي عبدالقادر السقاف، ط1، 2005م، ص72؛ السقاف: إدام القوت..، ص351.
(2) السقاف: تحقيق الفرق..، ص72.
(3) السقاف: إدام القوت..، ص539- 540.
(4) السقاف: عبدالرحمن بن عبيدالله، معجم بلدان حضرموت المسمى (إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت)، تحقيق محمد أبوبكر باذيب، محمد مصطفى الخطيب، دار المنهاج للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2005م، ص950.
(5) السقاف: عبدالرحمن بن عبيدالله، بضائع التابوت نتف من تاريخ حضرموت، مخطوط، ج2، ص196.
(6) السقاف: بضائع..، ج2، ص196.
(7) السقاف: بضائع..، ج2، ص196.
(8) السقاف: بضائع، ج2، ص176.
(9) السقاف: بضائع..، ج2، ص196.
(10) من أهل بلدة (قسم) من مؤلفاته (بغية المريد لسبيل أهل التوحيد). ينظر: السقاف: بضائع..، ج2، ص178، 180.
(11) حسين بن علوي بن عبدالله بن سالم بن حسين بن علوي بن عقيل مديحج، تولى قضاء تريم من سنة 1224هـ إلى سنة 1263هـ وهي سنة انتهاء إمارة بن غرامة فعزل نفسه من القضاء وسافر إلى جاوة ثم رجع إليها. ينظر: السقاف: بضائع..، ج2، ص180.
(12) تاريخ الرسالة سنة 1251هـ ومن بدء تعهدهللوهابية وحطه على الإمارة سنة 1224هـ فتقارب ثلاثين سنة.
(13) تطلق لفظة علوى: على أعلى وادي حضرموت، وحدرى على أسفله وهو ما انحدر منه وهي المناطق الشرقية.
(14) السقاف: بضائع..، ج2، ص176- 177.
(15) ينظر: السقاف: بضائع..، ج2، ص187.
(16) مقابلة شخصية مع الوالد سالم محمد بن علي جابر، 80 عامًا، خشامر.