آخر الإضافات
الموسوعة اليافعية

حضرموت والدعوة السلفية

تعد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب امتدادًا للفكر السلفي، وقد كان يطلق على أهل هذه الدعوة (الوهابية) نسبة إلى مؤسسها الشيخ محمد بن عبدالوهاب النجدي(1) على عادة الناس من نسبة الفرق والدعوات إلى مؤسسيها، وإن كان بعضهم يقصد اللمز بهذه التسمية، وغالبًا ما يكون ذلك من خصوم هذه الدعوة أو من الجهلة، بينما حقيقة هذه الدعوة هي تصحيح المعتقدات الفاسدة في الأضرحة والقباب وذوات الأقطاب والأبدال التي سادت في المجتمع الإسلامي عامة من أقصاه إلى أقصاه.

ولقد انتشرت هذه الدعوة، واستطاعت أن تصل إلى دمشق شمالًا وعُمان جنوبًا، واتخذت من الدرعية في نجد عاصمة لها تحت حماية الأمير محمد بن سعود، حيث تحالف أبناؤه على نشر الدعوة السلفية، ونتج على إثرها بعد ذلك قيام الدولة السعودية الأولى، وذلك في أواخر القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، واستطاعت القوات المصرية تحت المظلة العثمانية تدميرها وإنهاءها، وقد انتشرت انتشارًا واسعًا بعد ذلك، ولا سيما في الشام ومصر والهند واليمن.

   وكان لكثير من قبائل حضرموت اتصال وثيق بنجد بسبب الجوار الجغرافي، كما كان لكثير منها دور مشرِّف في نصرة الدعوة السلفية، فقد وقفنا على عدد من الأحلاف والمعاهدات التي أبرمتها الدولة السعودية الأولى مع كثير من القبائل الحضرمية تتمحور حول نصرة الدعوة السلفية في حضرموت ولكن سيطول المقال بذكرها هنا لذا سنقصر حديثنا عن الدور اليافعي في نصرة الدعوة السلفية في حضرموت.

فقد اتصلت بعض الأسر الحضرمية اليافعية بالأسرة الحاكمة في نجد في دورها الأول، ففي عام 1205هـ اتصل الشيخ عبدالحميد بن قاسم بن علي جابر اليافعي بالإمام عبدالعزيز بن محمد آل سعود في الدرعية، وعقد معه حلفًا يقوم بموجبه الشيخ عبدالحميد المذكور بنشر الدعوة في حضرموت، وزوده الإمام بمجموعة من الكتب، وبايعهم على نشر هذه الدعوة، والذود عنها بكل قوة، ثم انطلقت بعد ذلك إلى المناطق المجاورة، وجعل من منطقته قاعدة لانطلاقة الدعوة الجديدة، وتأثر بالدعوة ابن غرامة حاكم تريم، وقام بدوره بنشر الدعوة وحصل كمية كبيرة من الكتب كما تأثر بها بعض رجال آل جابر - قبيلة حضرمية مساكنها منطقة ساه ووادي ابن علي وهم غير آل علي جابر - وكانت هذه الصلة مستمرة ولا زالت خاصة مع آل علي جابر - القبيلة اليافعية - (2).

ولا تكاد تجد وثيقة حلف أو معاهدة صلح بين نجد وحضرموت إلا فيها أحد رجالات يافع ومشائخها إما طرفا من أطرافها أو شاهدا على ما جاء فيها.

وقد أرسل النجدييون ثلاث حملات إلى حضرموت:

الحملة الأولى: سنة 1221هـ، في عهد السلطان جعفر بن علي بن عمر بن بدر الكثيري، جاء الوهابيون عن طريق العَبْر إلى وادي حضرموت في حملة استطلاعية عسكرية وبلغوا إلى شِبام، ثم عادوا أدراجهم إلى نجران(3).

الحملة الثانية: سنة 1224هـ وهي حملة بن قَمْلا، في عهد السلطان علي بن بدر بن علي بن جعفر الكثيري، التي جاءت إلى حضرموت(4)، ونزلت بـ(خَشَامر) مسكن آل علي جابر، وكانت انطلاقة الجيش من ذلك المكان، (5). وفي هذه المرة راسلوا الكثير من القبائل الحضرمية فناصرتهم جماعات كبيرة من قبائل نهد وآل كثير ويافع ، منهم الأمير ابن غرامة البُعسي صاحب تريم والنفر الناقمون على خرافات الصوفية في حضرموت(6).

وقد مكث الوهابيون في حضرموت زهاء أربعين يومًا، وحاولوا الامتداد إلى الساحل فيُذكر بعض المؤرخين أن فرقة من الجيش الوهابي توجهت إلى الشِّحْر، وأقامت هذه الفرقة العسكرية معسكرًا لها في منطقة الخور، ولكنهم -كما يروى - لم يهدموا شيئًا من القباب في الشِّحْر(7)، وكان ذلك في عهد السلطان الأمير ناجي بن علي بن بريك الذي التقى بـ(ابن قملا)، وناصره على الذود عن حياض الشريعة المطهرة، فكان يأخذ العهد على كل من يدخل الشحر بالالتزام بالصلاة، يشير إلى ذلك البيتان المشهوران:

قولوا لنـاجي بـن عـلي ما رأس بن عوبث غـلب

كُلَّين يؤخذ له مـلاه ما با يعاهد عالصـلاه

الحملة الثالثة: سنة 1226هـ وهي حملة بحرية كانت عن طريق الباطنة شرق مدينة الشِّحْر، وأدت المهمة نفسها التي أدتها الحملة الثانية، وعادت دون أن يتعرض لها أحد، ذكر ذلك المؤرخ باحسن في تاريخه(8).

وفي عام 1227هـ زار الابن يحيى بن عبدالحميد بن علي جابر الأرض السعودية والتقى الإمام سعود بن عبدالعزيز الملقب بـ(سعود الكبير) ليجدد معه ما قد أبرمه أبوه عام 1205هـ من معاهدات، وذلك بعد اثنين وعشرين عامًا من اللقاء الأول، وقد جاء اللقاء الثاني ليزيد من أواصر التواصل، ويقوي العلاقات بهدف نشر الدعوة السلفية، إذ كان الوقت حينها مهيأ في حضرموت لمزيد من الانتشار(9).

وفي القرن الرابع عشر الهجري حجّ الشيخ عبدالله حبيب بن علي جابر وزار الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود بعد استيلائه على الحجاز بعامين، ومعه الوثائق المتعلقة بالمراسلات، ووثيقة الحلف، فكرمه الملك عبدالعزيز وأكرمه، وأرسله سفيرًا إلى السلطان القعيطي يطلب منه إقامة الشريعة، والاحتكام على كتاب الله وسنة رسوله، فأجاب السلطان القعيطي: "أمامك المحاكم الشرعية في كل مكان، ودولتنا وجدت لإقامة الشريعة". وكتب بذلك إلى الملك عبدالعزيز، وسر سرورًا كثيرًا بذلك(10).

وكذلك ارتبطت السلطنة القعيطية بعلاقة مع الدولة السعودية (الثالثة) فقد تولى القضاء في المكلا الشيخ عبدالله الروّاف في عهد السلطان غالب بن عوض القعيطي، وقام بنشر الدعوة السلفية، وقد أدى عمله خير أداء، وله مواقف مشهورة معروفة يتناقلها الناس إلى الآن.

**

(1) الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1115هـ- 1206هـ/ 1703- 1792م) ولد في العيينة، وتلقى تعليمه بين يدي أبيه الشيخ عبدالوهاب بن سليمان التميمي، ونبغ حتى فاق أقرانه، حتى بات وهو دون العشرين عالمـًا ومجددًا، اتفق مع الأمير محمد بن سعود على نصرة كل منهما الآخر، وبذلك أسس مدرسة سنية وسمها خصومها للتنفير منها بـ(الوهابية)، أهم مؤلفاته: كتاب التوحيد، الأصول الثلاثة، كشف الشبهات، أربع القواعد في التوحيد، مختصر زاد المعاد، وغيرها. ينظر: آل بو طامي: أحمد بن حجر، الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب دعوته الإصلاحية وعقيدته السلفية وثناء العلماء عليه، دار الشريعة، القاهرة، ط1، 2004م؛ شاكر: محمود، التاريخ الإسلامي -العهد العثماني- المكتب الإسلامي، بيروت، ط4، 2000م، ج8، هامش ص256؛ حمزة: فؤاد، قلب جزيرة العرب، مكتبة النصر الحديثة، الرياض، ط2، 1968م، ص335.

(2) الجرو: سالم علي، بلاد الأحقاف رموز وكنوز، مكتبة التراث الإسلامي، الرياض، ط1، 2001م، ص62- 63؛ الناخبي: عبدالله بن أحمد، حضرموت وعلاقتها بنجد، مجلة (العرب) 27/ 68، جزء ذي القعدة الحجة 1411هـ، السنة 26، ص431.

(3) الكندي: سالم بن محمد بن سالم ابن حميد، تاريخ حضرموت، المسمى بـ(العدة المفيدة الجامعة لتواريخ قديمة وحديثة)، تحقيق عبدالله محمد الحبشي، مكتبة الإرشاد، صنعاء، ط1، 2003م، ج1، ص320.

(4) يرى البعض أن هناك سببين لهذه الحملة، الأول: الاستنجاد بالوهابيين بسبب ظلم العلويين لعلي بن أحمد الكاف حيث لم ينصره أحد منهم فاستنجد بالوهابيين، وقيل الذي استنجد هو المنصب الحداد عندما عارضه البعض في وضع التابوت على قبر جده. والثاني: هو بسبب تقصير الفقهاء وسكوتهم عن المظالم التي تفشت ولم يسمعوا لعلوي بن محمد المشهور فابتلوا بهذا وهو ما يسمونه (بنصفة علوي المشهور). ينظر: عصبان: أكرم مبارك، الفرق والمذاهب في حضرموت، مطبعة وحدين، المكلا، ط1، 2010م، ص317- 318.

(5) الناخبي: حضرموت وعلاقتها بنجد..، ص431.

(6) بامطرف: محمد عبدالقادر، المختصر في تاريخ حضرموت العام، دار حضرموت للدراسات والنشر، المكلا، ط1، 2001م، ص91.

(7) بامطرف: المختصر..، ص92.

(8) باحسن: عبدالله بن محمد، نشر النفحات المسكية في أخبار الشِّحْر المحمية، تحقيق محمد عبدالنور، تريم للدراسات والنشر، ط1، 2010م، ص465.

(9) عصبان: الفرق والمذاهب..، ص318؛ مقابلة شخصية مع الوالد سالم محمد بن علي جابر، 80 عامًا، خشامر.

(10) الناخبي: حضرموت وعلاقتها بنجد..، ص431.