آخر الإضافات
الموسوعة اليافعية

التصوف في حضرموت

تاريخ التصوف في حضرموت:

جاء التصوف إلى حضرموت من جهة بلاد المغرب عبر إحدى الطرق الصوفية هناك، والتي تعرف (بالطريقة المَدْيَنيَّة) عبر وفد أبي مَدْيَن التلمساني المغربي (ت 594هـ).

غير أن الأمر الذي نازع فيه غير واحد من الباحثين هو: لمن الريادة في التصوف بحضرموت؟ هل كانت لمحمد بن علي العلوي الملقب بالفقيه المقدم (ت 653هـ)؟ أم كانت لشيخه تاج العارفين سعد الدين محمد بن علي الظفاري (ت 607هـ)؟ ففي حين يقضي كثير من المؤرخين والباحثين بأسبقية التصوف للفقيه المقدم يرى بعض الباحثين أن الأسبقية كانت لسعد الدين الظفاري(1)، وقد ذهب آخرون مذهبًا بعيدًا في نشأة التصوف في حضرموت وربطوه بقدوم العلويين إلى حضرموت من العراق(2)، عن طريق أحمد بن عيسى المهاجر (317هـ)، أو بقدوم جد آل باوزير يعقوب بن يوسف من العراق أيضًا(3).

وسواء أقَدِمَ التصوف إلى حضرموت من العراق أم من المغرب العربي - وهذا الذي يؤيده غير واحد من الباحثين - فإنه عبارة عن فكر انتحله وتأثر به جماعة من الناس دون غيرهم بقيادة (الفقيه المقدم)، عُرفوا بمدرسة الفقيه المقدم التي كانت سبّاقة إلى ذلك، يقول كرامة بامؤمن: «وما أن أهلَّ الفكر الصوفي قادمًا من المغرب العربي أخذت تريم تتحول تدريجيًا إلى مركز صوفي مقدس، قام بتدشينه محمد بن علي العلوي الحضرمي الملقب بالفقيه المقدم»(4)، الذي أُلبس الخرقة بتوجيه من أبي مدين التلمساني المغربي، أرسل بها مع الشيخ عبدالرحمن بن محمد المقعد الحضرمي الذي توفي في مكة، فأرسل الخرقة مع صالح المغربي، غير أن الشيخ صالح المغربي اجتهد في إلباس الخرقة  كلًّا من سعيد بن عيسى العمودي صاحب قيدون، وباحمران صاحب ميفعة، وباعمر صاحب حورة، وعند وفاته وزع بينهم الميراث أرباعًا، يقول ابن عبيدالله: «وفي قسمة الميراث بين هؤلاء إشكال؛ لأنه إن أراد السر غيَّر عليه ذكر المقتسمات، ولعل المراد الوصية والسر تبع لما جرت فيه القسمة»(5)، فهؤلاء الأربعة هم النواة الأولى لنشر التصوف في حضرموت، كطريقة لها أصولها وطرقها وطقوسها ومعتقداتها.

أثر مدرسة التصوف الحضرمي في يافع:

وصل التصوف إلى يافع من تهامة والجَنَد وعَدَن قبل التصوف الحضرمي بعدة قرون، ولا يعرف الزمن الذي دخل التصوف فيه إلى يافع ولا الأسبقية في دخوله إليها كانت لمن؟. وقد اشتهر من أهل يافع بالتصوف العلامة أبو بكر بن محمد اليحيوي (الهَزّاز) المتوفى سنة (709هـ)(6)، والعلامة عبدالله بن أسعد بن علي اليافعي قطب الحرم المكي المتوفى سنة (768هـ) الذي تعد مؤلفاته من أمهات كتب الصوفية إلى يومنا هذا.

   وقد ذكر صاحب (هدية الزمن) أن على قبر الشيخ علي بن عمر الشاذلي (ت 828هـ) المدفون في مدينة (المخا) قبة عظيمة مفخمة متقنة بناها قوم من يافع القبيلة الحميرية المشهورة(7). وقد كان تأثر يافع بمدرسة تهامة ليس بالقوي، بخلاف مدرسة حضرموت، التي ارتبطت بها عن طريق الشيخ أبي بكر بن سالم مولى عينات، فكان التصوف في يافع امتدادًا للتصوف الحضرمي، وذلك لما لآل الشيخ أبي بكر بن سالم من مكانة عظيمة في قلوب اليافعيين، فكانت ترسل النذور والصدقات باستمرار من يافع إلى عينات. وقد بقيت من السادة آل باعلوي ذرية بيافع إلى اليوم هم في محل احترام أهل يافع وتقديرهم، فأمرهم مسموع، وشفاعتهم مقبولة لا ترد(8).

**

(1) ممن ذهب إلى هذا القول الباحث أكرم مبارك عصبان، في مقال له بعنوان: (البداية والريادة في التصوف بحضرموت بين سعد الظفاري والفقيه المقدم)، دورية (الفكر)، جمعية المؤرخ سعيد عوض باوزير، غيل باوزير، العدد (32)، يناير - مارس 2008م، ص11- 12.

(2) السعدي: الصوفية في حضرموت..، ص66.

(3) السعدي: الصوفية في حضرموت..، ص66.

(4) بامؤمن: الفكر والمجتمع..، ص245.

(5) السقاف: إدام القوت..، ص36.

(6) الخزرجي: أبو الحسن علي بن الحسن( ت 812)، العقد الفاخر الحسن في طبقات أكابر أهل اليمن (أو طراز أعلام الزمن في طبقات أعيان اليمن): تحقيق ودراسة: عبد الله بن قائد العبادي ومبارك بن محمد الدوسري وعلي عبد الله صالح الوصابي وجميل أحمد سعد الأشول، الجيل الجديد ناشرون، صنعاء، ط1، 2008م،ص242؛ الجَنَدِي: أبو عبد الله بهاء الدين محمد بن يوسف بن يعقوب،     السُّلوك في طبقات العلماء والملوك، تحقيق: محمد بن علي بن الحسين الأكوع الحوالي، مكتبة الإرشاد، صنعاء، ط1، 1993م، ج2، ص119.

(7) العبدلي: أحمد فضل، هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن، تحقيق أبي حسان خالد أبا زيد الأذرعي، مكتبة الجيل الجديد، صنعاء، ط1، 2004م، 59.

(8) السعدي: الصوفية في حضرموت..، ص125.