التسمية:
حضرموت اسم مركب تركيبًا مزجيًّا لإحدى الممالك العربية الجنوبية التي ظهرت قبل الميلاد، وما زال اسمها يطلق على مساحة واسعة من الأرض(1)، وتعدُّ حضرموت من القبائل العربية القحطانية(2)، وقد ارتبط اسم حضرموت بالجزء الأصغر من اليمن، وهو مخلاف من مخاليفه(3) نسبة إلى حضرموت بن حمير الأصغر، فغلب عليها اسم ساكنها(4).
كما ورد اسم حضرموت في التوراة بلفظ (حزرمافيت Hazramaveth)، وهو اسم الابن الثالث (يقطان) وهو حضرموت بن يقطان(5).
كما ورد اسم حضرموت في المصادر اليونانية بمعنى (وادي الموت)، وقد ذكروا اسم حضرموت في كتبهم، ولكن سجلوه بشيء من التحريف. وعرفت في الموارد الإسلامية كذلك، وجاء في دائرة المعارف للبستاني أنها نسبت إلى عامر بن قحطان الذي لقب بحضرموت؛ لأنه كان إذا حضر حربًا أكثر من القتل، فصاروا يقولون عند حضوره حضر موت، ثم صاروا يقولون للأرض التي كانت بها قبيلته: هذه أرض حضرموت، ثم أطلق على البلاد نفسها.
وقد وصلت في الإسلام من طريق أهل الكتاب، قال ابن الكلبي: «اسم حضرموت في التوراة حاضر ميت، وقيل: سميت بحضرموت بن يقطن بن عابر بن شالخ»(6).
وحضرموت قديمًا عبارة عن كثبان رملية، تعرف بالأحقاف قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ﴾ [الأحقاف: 21]، والقرآن الكريم في هذه الآية لم يصرح بذكر حضرموت بشكل مباشر، وإنما ذكر وصفها بالأحقاف، أي: ذات الرمال، كما نسب هود إلى قبيلة عاد، لحكمة أرادها الله، وهو المكان الذي احتضن دعوة نبي الله هود -عليه السلام-.
والأحقاف هي الرمال المشرفة على الهجر بالشِّحْر، رمل فيما بين عُمان إلى حضرموت، وهذا لا يمنع من إطلاق الأحقاف على سائر حضرموت(7)، وربما يكون الأحقاف موضعًا معينًا من حضرموت، أو وصفًا لحضرموت، وقد يكون اسمًا قديمًا قبل تسميتها حضرموت.
ويذكر ابن عبيدالله أيضًا في نفس الموضع أن اسم حضرموت الأول هو (عبدل)، وقيل: (وبار)، ثم (وادي الأحقاف)، ثم (حضرموت)، وهذا التنقل في التسمية يعود في نظر ابن عبيدالله إلى العهود الحضارية التي مرَّت بها حضرموت، كما أشار أيضًا إلى أن من أسمائها كذلك برك الغِماد(8)، إشارة إلى قول سعد بن عبادة - رضي الله عنه - للنبي r: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا»(9)، وهي أقصى حضرموت، وقيل: بأرض أبين، وقيل: بالحبشة(10).
ومهما يكن من أمر فإن اسم حضرموت موغل في التاريخ، وما زال اسمها حيًا يطلق على مساحة واسعة من الأرض، فلها أن تفخر بهذا على الممالك العربية الأخرى التي عاشت قبل الميلاد، ثم ماتت أسماؤها، أو قلّ ذكرها أو استبدلت بأسمائها أسماء أخرى.
وحضرموت قديمًا مضرب مثل في البعد، يقول مجنون ليلى:
ولو أنَّ واشٍ باليمامة دارُهُ وداري بأعلى حضرموتَ اهتدى ليا(11)
ويقول البحتري:
حضرموتُ وأيما حضرموتُ بلدٌ دونه الفلا والفيافي(12)
وقد ضرب بها النبي r مثلًا في البعد فقال: «وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُوْنَ»(13)، فدل ذلك على بعد مثاويها، وتعدد مضاربها، وامتداد دروبها، ولعلنا لو استقرينا تاريخ هذه الحقب التاريخية لما وجدنا خيرًا من تصوير القرآن لحضارة من أعظم الحضارات التي مرَّت بها حضرموت، وهي حضارة قبيلة (عاد إرم) التي انبثقت منها حضارات أخرى بعد ذلك، قال الله تعالى مصورًا ازدهار هذه الحضارة: ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ﴾ [الفجر 7 - 8]، فضلًا عما ما سطرته حِمير وكندة في أدوار التاريخ، والدور التجاري الريادي الذي اشتهر به الحضارمة يشكِّل طابعًا مميزًا وسمة بارزة ًفي موروثها الثقافي والاجتماعي الحضاري، فميناء (قنا) شاهد برائحة تربته التي تفوح لبانًا وبخورًا.
الموقع الجغرافي:
حضرموت بلد مترامي الأطراف متشعب الأودية، تتناثر بين دفف أوديته مدن وقرى كثيرة، وتمتد حضرموت من ميناء عدن غربًا حتى حدود عمان شرقًا، ومن بحر العرب جنوبًا حتى الربع الخالي شمالًا، وتشكل حضرموت الجزء الشرقي لليمن، وتغطي مساحة تقع بين خطي طول 47 - 53 درجة، ودائرتي عرض 15 - 19 درجة، ويحدّها من الجنوب البحر العربي، ومن الجنوب الشرقي أرض المهرة، ومن الشمال الشرقي والشمال الغربي الصحراء العربية الكبرى، ومن الجنوب الغربي أرض العوالق وأرض الواحدي(14).
وقد قسم صاحب الشامل حضرموت على ثلاثة أقسام رئيسة هي:
حضرموت الكبرى: وتمتد من عدن غربًا إلى عمان شرقًا، وما بين المحيط الهندي جنوبًا إلى رمال الأحقاف شمالًا(15)، ويمكننا أن نرسم حدودها عبر ثلاث مقاطعات رئيسة:
المقاطعة الأولى: تمتد من الشرق مرورًا بالساحل حتى بروم غربًا(16)، وتشمل مدن: (دثينة، وأحور، والحوارق، وميفعة، والعين، وحجر، وبروم)، ولم تكن المكلا مشهورة يومئذ، وإنما ظهرت في بداية القرن الحادي عشر إبان الإمارة الكسادية التي شمل إقليمها بروم إلى منطقة دوعن.
المقاطعة الثانية: تمتد من الغرب مرورًا بظفار، وتمتد منها إلى الجنوب حتى الشِّحْر وبروم شرقًا. يقول الشاعر(17):
خاطر كما خاطر علي جدّك وخاض أغمارها
حتى سكن بعد الحبوظي(18) في بروم اختارها
ومن مدنها ظفار ومرباط والشِّحْر وبروم حتى قيام الدولة الكثيرية التي امتدت من الشِّحْر إلى وادي حضرموت حتى حدود عدن شرقًا، وفصلت الشِّحْر عن ظفار(19).
المقاطعة الثالثة: ما يعرف بحضرموت الصغرى التي أطلقت على وادي حضرموت محددًا من العَقَّاد(20) غربًا إلى شعب نبي الله هود - عليه الصلاة والسلام - شرقًا(21)، ولم تكن هذه المقاطعات تخضع لكيان سياسي موحد يمتلك القدرة والتأثير على سير الأحداث.
وكل مقاطعة من هذه المقاطعات تعددت فيها السلطنات والدويلات الصغيرة والمشيخات التي استطاعت أن تكوِّن لنفسها كيانات مستقلة تتمتع بحكم مستقل عن بعضها، فالمقاطعة الأولى قامت فيها عدة سلطنات من أشهرها (سلطنة العوالق)، وتُعدُّ من السلطنات القديمة، واستطاعت أن تقيم تحالفات مع جاراتها من السلطنات الأخرى كـ(بن عفيف والرصاص وبن هرهرة)(22)، والمقاطعة الثانية والثالثة قامت فيها عدة كيانات مستقلة، أشهرها:
- السلطنة القعيطية: وهي أكبرها.
- سلطنة الواحدي.
- السلطنة الكثيرية.
- سلطنة المهرة.
وهذه السلطنات الأربع شكلت أخيرًا اتحادًا فيدراليًا تحت الحماية البريطانية تعرف بـ(محمية عدن الشرقية)(23)، وبهذا التحديد فإن مساحتها(24) تقدر بحوالي (300.000) كم2.
أما حدود حضرموت الوسطى فهي حدودها اليوم(25)؛ حيث تقسم حضرموت إداريًا - في الوقت الحاضر - إلى قسمين أساسيين هما:
حضرموت (الداخل) الوادي والصحراء: ويشمل: وادي العين، وادي عمد، وادي رخية، القطن، شبام، سيئون، تريم، ساه.
حضرموت الساحل: ويشمل: وادي دوعن (الأيمن والأيسر)، ريدة الدّيِّن، غيل بن يمين، الشِّحْر، غيل باوزير، المكلا، وادي حجر.
**
(1) علي: جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار الساقي، ط4، 2001م، ج3، ص129.
(2) البلاذري: أبو الحسن أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، تحقيق محمد حميد الله، دار المعارف، مصر، 1959م، بدون ط، ج1، ص1، 4.
(3) الحداد: علوي بن طاهر، الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها، دار تريم للدراسات والنشر، تريم، ط2، 2005م، طبعة مصورة عن طبعة سنغافورا 1359هـ/ 1940م، ص23.
(4) الهمداني: أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب، صفة جزيرة العرب، تحقيق محمد بن علي الأكوع، مكتبة الإرشاد، صنعاء، ط1، 1990م، ص165.
(5) عكاشة: محمد عبدالكريم، قيام السلطنة القعيطية والتغلغل الاستعماري في حضرموت (1839- 1918م)، دار ابن رشد، عمان الأردن، ط1، 1985م، ص6.
(6) علي: المفصل..، ج5، ص270.
(7) السقاف: عبدالرحمن بن عبيدالله، معجم بلدان حضرموت المسمى (إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت)، تحقيق إبراهيم أحمد المقحفي، مكتبة الإرشاد، صنعاء، ط1، 2002م، ص15.
(8) السقاف: إدام القوت..، ص18.
(9) النيسابوري: أبي الحسن مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، 1419هـ، حديث رقم (1779).
(10) عبدالنور: محمد يسلم، الحياة العلمية في حضرموت في القرنين السابع والثامن للهجرة (الثالث والرابع عشر للميلاد)، وزارة الثقافة، صنعاء، ط1، 2010م، ص4.
(11) الأبشيهي: شهاب الدين، المستطرف في كل فن مستظرف، تحقيق مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1986م، ج2، ص384.
(12) البحتري: الوليد بن عبدالله، ديوان البحتري، تحقيق بدر الدين االحاضري، دار الشرق العربي، بيروت، ط1، 1999م، ج2، ص538.
(13) البخاري: أبي عبدالله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، 1419هـ، حديث رقم (3416).
(14) عكاشة: قيام السلطنة القعيطية..، ص9.
(15) ابن خلدون: عبدالرحمن، تاريخ ابن خلدون المسمى (ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1431هـ، ج4، ص92، 225، 226.
(16) الحداد: الشامل..، ص68.
(17) السقاف: إدام القوت..، ص50، وقد نسب البيتين إلى عمر بامخرمة.
(18) امتلك السلطان سالم بن إدريس الحبوظي حضرموت من 673هـ - 677هـ، وهو ينتمي إلى أسرة الحبوظي سلاطين ظفار بعد المنجويين، وقد استعان بآل كثير، ونظمهم في جنديته.
(19) الشاطري: أدوار التاريخ..، ج2، ص237.
(20) العقاد: منطقة تبعد عن سيئون 40 كم غربًا بالقرب من بلدة القطن. ينظر: السقاف: إدام القوت..، ص495.
(21) بامخرمة: الطيب بن عبدالله بن أحمد، (ت 947هـ/ 1540م)، النسبة إلى المواضع والبلدان، ط1، 2004م، مركز الوثائق والبحوث، أبوظبي، الإمارات، ص223؛ الحداد: أحمد بن حسن، الفوائد السنية في ذكر فضائل نسبة من ينتسب إلى السلسلة النبوية، ص14؛ الكاف: سقاف بن علي، حضرموت عبر أربعة عشر قرنًا، مكتبة أسامة، بيروت، ط1، 1410هـ، ص15.
(22) السالمي: محمود علي، اتحاد الجنوب العربي، دار الوفاق، عدن، ط1، 2010م، ص29.
(23) السالمي: اتحاد الجنوب..، ص74.
(24) قدرت هذه المساحة بجمع مساحة المحافظات الثلاث: حضرموت (155376 كم2)، شبوة (73908 كم2)، والمهرة (66350 كم2).
(25) يحد حضرموت من الغرب محافظات شبوة ومأرب والجوف، ومن الشرق محافظة المهرة، ومن الجنوب المحيط الهندي، ومن الشمال صحراء الربع الخالي المتاخمة لحدود المملكة العربية السعودية.